خيارات تنموية ج1 (حول النظام المصرفي)/ المهندس أحمد ولد الطالب محمد
تأخذ المصارف أدوارا ريادية فى التنمية و تقوم عادة على الإختصاص. فنجد مصارف دورها هو توفير التمويلات لمختلف القطاعات و تدل مسمياتها على مجال نشاطها. فعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى بنك الإسكان بتونس فهو حاضر بقوة فى المشهد الإقتصادي و العمراني للبلد حيث يقدم القروض للأفراد و المؤسسات و ذلك بفائدة لا تتعدى 5,75% و يرجع له الفضل فى انتشار المساكن اللائقة للمواطنين و المقيمين بتونس.فى المجال الزراعي، لنأخذ مثال سوريا ، فرغم الحرب داخلها، نجد أن القرض الزراعي بسوريا يمول أصحاب مشاريع الثروة الزراعية والحيوانية بجميع مستوياتها و حتى الصغيرة منها والمتناهية الصغر، فيوفر للمزارعين الصغيرين و أي شخص عاطل عن العمل ، يريد العمل بالزراعة ما بين 250,000 ل.س و 5,000,000 ل.س ، بسعر فائدة لا يتجاوز 6% و تبقي سوريا من الدول التي لديها فائضا زراعيا ، فهذا المصرف يساهم بشكل فعال فى التقدم الزراعي للبلد.لنعد قليلا إلى بلدنا الغالي ، فهل نجد نفس الشيء ؟بالطبع لا ! إن المصارف فى موريتانيا تشبه إلى حد التماثل الدكاكين.أولا المسميات : يختار أصحاب البقالات أسماء لا تمت بصلة لما يبيعونه أو على الأقل للدلالة على خصوصية تلك الحوانيت ، فنجد بقالة “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه” و بقالة “الفوز” و بقالة “ريال مدريد”…تماما مثل المصارف ، نجد من بين المسميات : بنك الصناعة، بنك التجارة، بنك الإسكان…إسم على غير مسميثانيا طبيعة الخدمات المقدمة : فى الواقع معظم المصارف المحلية إن لم نقل كلها تتبع نمطا واحدا، يجمع جميع الأنشطة ، تماما كالبقالة و تتميز بضعف الخدمات و الإفراط فى التربح.ثالثا : غالب الزبناء عند الدكاكين هم من الجيران أو المعارف. أما المصارف فقد أصبح بعضها (و لو فى مرحلة معينة) مجرد “دكاكين” أو ودائع أسرية. حتى أنها في بعض الأحيان أصبحت كل جهة أو مجموعة تملك بنكا ، فانجرف البعض فى فتح حسابات داخل تلك المصارف فقط لأن مالكها من جهته أو لديه قرابة به مما أدي إلى إنعدام الخدمات المصرفية و تقاعسها عن دورها التنموي الهام، ناهيك عن السلوكيات القديمة التي تعتمد على الجهوية و القبلية التي لم يعد لها مكان فى الدولة الحديثة. للإشارة فقد بدأت البقالات تتقدم قليلا على المصارف لأنها أصبحت على الأقل توفر خدمة التوصيل للسيارة عند وقوف أحد الزبناء عندها ، عكس المصارف التي تطبق مبدأ “خذ كل ما لديهم و احفظ كل ما لديك”تشخيص سريع لواقع المصارف :يرجع ضعف مساهمة المصارف فى تنمية البلد إلى سببين : الأول هو أن أغلب هذه المصارف لا زالت تتعامل بطريقة ليست ملائمة. فمثلا قد اعتمد جلها المعاملات الإسلامية و لكن يرى الكثير من الناس أن التعامل هو نفسه بالنمط الربوي مع تمويه باستخدام النعت “الإسلامي “العامل الثاني و الحاسم أن ارتفاع قيمة الفائدة التي تأخذها المصارف الوطنية و التي تتراوح بين 10 و 20% (بمتوسط 15%) هو كارثي بالمرة و هو استغلال بؤس شعب فقير و التربح على ظهره.أما من لديهم الأموال، نجد أن رجال الأعمال في البلد يدفعهم ضعف الأنظمة المصرفية إلى اللجوء الى مصارف دول أجنبية في تعاملاتهم التجارية الدولية. معلوم أن المصارف لا تقدم أية تسهيلات مصرفية لرجال الأعمال ، وتطلب منها ضمانات بقيمة عالية فقط لتوفير رسالة ضمان.إن البنوك بموريتانيا تهتم أولا و قبل كل شيء بالقروض ودفع رواتب الموظفين فهي بعيدة عن دورها التنموي المعهود و حتى تنظيمها الهيكلي الذي يفرض عليها نوعا من التخصص، أي أن دورها الأساسي فى دعم القطاعات الخدمية و الإقتصادية كالتجارة و الصناعة و الزراعة فتلك ليست هي الأولوية لديها.من جهة أخرى ، نجد أن المواطنين لا يثقون كثيرا بالمصارف خاصة بعد ما حصل لبعض البنوك و منها على سبيل الذكر، مصرف Maurisbank الذي سحب ترخيصه سنة 2015 و ما تحدثت عنه وسائل الإعلام من أسباب التلاعب الذي حدث بداية سنة 2019 بمصرف NBM الذي أصبح جاثما هو الآخر على ركبتيه و تضرر العديد من زبنائه (لم يستطع جمع غفير من سحب ودائعه بالبنك) جراء ما حدث مع تلك المصارف.الحمد لله أن النظام المصرفي لم ينهار برمته لأن هذه الأحداث كارثية على الإقتصاد.و من أكثر الأدلة على عدم كفاءة البنوك التجارية هي أنه لو نظرنا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، سنرى أن أصحابها لجؤوا فى الغالب إلى الاقتراض من محيطهم أو أصدقائهم.و يكفى أن نعلم أن جل التجار خاصة التقليديون منهم، يدخرون أموالهم في منازلهم لعدم ثقتهم بالمصارف.الدور المنتظر للمصارف :هل طرحتم الأسئلة التالية على أنفسكم :- هل يمكن لأحد الشباب اليوم أن يجد أحد البنوك بالبلد يمكنه أن يمول له مشروع زراعي صغي ؟هل يمكن لعامل لديه راتب متواضع أن يجد مصرفا يختص بالإسكان يمكنه أن يقدم لهذا العامل حل إشكالية السكن لديه على أن يقتطع من راتبه أقساط تتماشى مع حالته المادية ؟ هذا هو ما يجب على المصارف أن تقوم به.باختصار الأنظمة المصرفية الموريتانية بعيدة عن المعايير الدولية.توصيات :معلوم أن البنك المركزي هو المسؤول الأول عن النشاط المصرفي بالبلد و انطلاقا من ما سبق ، إذا كان بالإمكان أن يعهد إلى جهة (لنسميها مثلا the back office) أن تقدم طرحا عمليا للوصول إلى الأهداف التالية :1. أن تكون المصارف مصارف تمتلك القدرة المالية اللازمة لمزاولة نشاطها و خصوصا أن تحترم ما يسمي عند أهل الإختصاص ب ratio de Bale أو ratio Cooke و هي نسبة مستوي التزامات البنك مقارنة برأس ماله و أرباحه، و تساوي هذه النسبة عادة 8%، لتفادي ما وقع لبعض المصارف بين سنتي 2015 و 2019.2. أن يفرض على المصارف أن تعتمد نسبة تمويل للمشاريع الداخلة بإختصاصها أو طرح حلول بهذا الخصوص3. تصور لمشهد المصارف بالبلد في غضون 5، أو 10 سنوات ، يكون بموجبه القطاع المصرفي قاطرة تنمية و ليس جهاز شفط للسيولة.4. إجراء دراسات للمقاربات التي يجب إتباعها و خصوصا جرد المعايير الأساسية لفتح الباب أمام المصارف ذات القوة المالية.5. إعطاء تصور واضح عن الطرق و الوسائل لجعل نسب الفائدة معقولة لكي يتسني للأفراد و المؤسسات أن يطوروا مشاريع إقتصاديةهناك الكثير و لكن لعدم الإطالة و غياب التخصص لدي، فيمكنكم إثراء اللائحة.